جليل العثماني
الإثنين 8 أبريل 2013
: عندما أقرأ عن المخططات القطاعية و الأهداف الاستراتيجية و لا نرى نتائج لها تستحضرني دائما كلمة لأستاذي في الاقتصاد الدولي، عبدالله أملاح
« مشكلتنا في الدول المتخلفة، ليس في أننا نخطئ الأهداف. المشكلة أعظم من ذلك، إننا نخطط بلا أهداف. فحتى لو أخطأنا سنعيد الكرة مرة و مرتين و سنصيب حتما بعدها. و قد نتأخر سنة أو سنتين و لكن سنصل في النهاية. عندما سنحدد الهدف المشترك بين كل القطاعات و الكل سيعمل من أجل هذا الهدف، عندئذ سنكون في الطريق الصحيح للانتقال لصف الدول المتقدمة »
سمعت هذا الكلام في سنة 1997 قبل تنصيب حكومة التناوب التوافقي الأول، و إلى اليوم أعتقد، و الاعتقاد حلال، أننا مازال بيننا و صف الدول المتأخرة حنين و حب قديم…
لننظر إلى تركيا، عندما جاء حزب العدالة و التنمية إلى الحكم سنة 2002، ضرب عرض الحائط كل ما كنا نعرفه عن تركيا من انقلابات العساكر و نسب التضخم العالية التي لم تنزل عن نسبة عشرين في المائة طيلة خمس و عشرين سنة منذ سنة 1977 حتى جاء رفاق الطيب إردوغان و وضعوا أمامهم هدفا واحدا هو « تركيا 2023 » بمناسبة مئوية تركيا يقضي بأن تكون تركيا من مجموعة العشر الكبار وأن تصدر ما قدره خمسمائة دولار سنويا أي ما يساوي خمسة مرات ناتج المملكة الشريفة حاليا، و أن يصل دخل المواطن التركي إلى خمسة وعشرين ألف دولار سنويا، و أن تكون تركيا في قائمة الدول الزراعية الخمس الكبرى في العالم، وأن تدخل بأحد موانئها إلى لائحة أكبر عشر موانئ في العالم، و أن تكون على مستوى بناء صناعة قوية قادرة على إنشاء سيارة وطنية و طائرة وطنية و سفينة وطنية و حوامة وطنية، وذلك بخطة تعليمية تأسست على القطع مع مناهج الماضي القائمة على الحفظ و تحديثها بمعايير جديدة ترفع القيمة المعرفية للأطفال، و تدفع الطلاب للتفكير واستخدام المنطق، بميزانية تضاعفت خمس مرات خلال العشرية الأخيرة، ومنحت الكتب المدرسية مجانا معفية أولياء التلاميذ من مصاريف شرائها، و إحداث مقاعد دراسية تفرض ثلاثون طالب في القسم كحد اقصى في مدارس مجهزة بالتكنولوجيا و مرتبطة بالأنترنت، و دعم للطلبة ضاعف منحهم خمس مرات خلال عشر سنوات، و من أجل إعطاء المرأة مكانتها الحقيقية داخل الأسرة و حقها من التعليم فإن الدولة اتخذت إجراء الدعم مباشر للعائلات المعوزة في الحساب المصرفي للأمهات للحد من ظاهرة الهدر المدرسي، و بمنح تكون للتلميذة أكبر من التلميذ. و بخطة صحية ضاعفت ميزانية الصحة خمس مرات في ظرف عشر سنوات بين سنة 2002 و سنة 2011، و كان من نتائجها الواضحة إنشاء 900 مرفق صحي و أزيد من 500 مستشفى وملحقاتها و رافقتها بإجراء استهدف استفادة الأتراك من جميع انواع الخدمات الصحية مجانا لجميع الاطفال الذين تقل اعمارهم عن 18 سنة بل و تولت الدولة دفع رسوم التأمينات الصحية للأطفال الذين لا يستطيع أوليائهم الاستفادة من الخدمات الصحية إلى درجة تأمين صحة ما يقارب ثلاثة ملايين مواطن. و بخطة قضائية اعتمدت على انتخاب أعضاء المجلس الأعلى للقضاة بمعايير ديمقراطية و ألغت محاكم الدولة و رقمنة المحاكم من أجل تقليص مدة الدعاوي القضائية. و قامت بإنجاز أربعين سجنا تستجيب للمعايير العالمية ومراكز لتأهيل السجناء بعد انتهاء مدة حبسهم، بدعمهم مهنيا و بحثا عن استقلالهم المالي.
و لنعد إلى المغرب أو لنقل لنصعد لمستوى الأحلام، فنحن استققنا ذات صباح لنحلم بالمخطط الأخضر الفلاحي في أفق 2020، يرتكز أساسا في تأهيل الفلحة الوطنية بدعامتين : الأولى؛ تنمية قوية وجريئة لمحركات جديدة للنمو ذي القيمة المضافة العالية و/أو المنحى الإنتاجي حول أشكال جديدة للفاعلين المندمجين/المجمَّعين ذوي قدرات تسييرية قوية وعادلين اجتماعيا و الثانية؛ التأهيل التضامني للفاعلين الأكثر هشاشة حول برامج للتأطير على الإنتاج/ التثمين والتجميع الاجتماعي والتحويل بكل جهة مع إعطاء أولوية و أهمية خاصة للفلاحة الصغيرة التضامنية (« الفلاحة العائلية ») من خلال مواكبة وفق مقاربة تختلف حسب المنطقة بهدف التحول من الزراعات المعاشية نحو الزراعات المستدامة. و كما نرى فلا وجود لأهداف تحمل أرقام لسبب بسيط و هو لكي لا تكون أي محاسبة في نهاية المطاف الأفق. و لأننا لا نمل من الأحلام فقد استيقظنا بمخطط أخر للقطاع الثاني و هو الميثاق الوطني للإقلاع الصناعي و بأفق أقل من الأول حدد في سنة 2015، و استهدف تطوير المهن العالمية التي يملك فيها المغرب امتيازات تنافسية واضحة وقابلة للاستغلال من خلال برامج تنموية مخصصة كقطاع السيارات، الطائرات، الإلكترونية، ترحيل الخدمات، النسيج والصناعات الغذائية. أما الطاقة و التي تحرك هاته المصانع فقد ارتأى نوابغنا مخططا طاقيا و بأفق يمتد لسنة 2020، أما في الخطة الوطنية لتنمية التنافسية اللوجيستيكية فقد ارتأى المنشار أن ينزل لسنة 2015، و يصعد إلى سنة 2020 عندما يتعلق الأمر برؤية السياحة و يعود منشارنا للنزول في رؤياه للصناعة التقليدية و يصعد لسنة 2020 في مخطط آليوتيس للصيد البحري و ينزل مرة أخرى لسنة 2015 عندما يخطط المغرب للتصدير و يعود للصعود عند مخطط رواج 2020، أما المغرب الرقمي فيتوقف عند 2013 و عنما يتعلق الأمر بالماء فالمخطط يمتد إلى 2030… و لا أدري كيف تناسى مخططونا أهم لبنة لأي إصلاح أو تقدم و هي التعليم و الابتكار، ففي هذا القطاع اعتمد مخطط استعجالي على عبارات من مثيل تطوير و توسيع و تأهيل و تشجيع و تعزيز و تثمين و تدعيم.. انتهى بما عليه سنة 2012 و بتقرير أسود من لدن الجهات الدولية… أما لبنة العدل، فهي كانت مغيبة أصلا و لم تنل الصحة إلا خطابات فضفاضة من أجل در الرماد على عيون برنامج الألفية الداعم لهاته الخطوة.
لقد كان التعليم و العدل و الصحة أساس نجاح المثال التركي لحزب العدالة و التنمية أو المعجزة اليابانية لوزارة إيكيدا الصناعية أو الإصرار الألماني، لأنها تدور في فلك يسعى بالأساس لخدمة المواطن.
هنا يكمن الفرق بين حقيقتهم و أحلامنا، بين أهدافهم و مخططاتنا…